كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال بعضهم‏:‏ رأى ابن الخطاب - شيخ ابن عربي - ربه في النوم فقال يا رب علمني شيئاً آخذه عنك بلا واسطة فقال يا ابن الخطاب من أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص للّه شكراً ومن أساء إلى من أحسن إليه فقد بدّل نعمة اللّه كفراً فقال يارب حسبي فقال حسبك ‏(‏تنبيه آخر‏)‏ قال ابن الزملكاني‏:‏ الفضل لغة عبارة عن الزيادة وكلما زاد عن الإقتصاد فهو فضل لكنه يشمل المحمود والمذموم في أصل وضعه فإن الفضل منه محمود كفضل العلم على الجهل ومذموم كالإفراط في الصفات المحمودة حتى تخرج إلى صفة الذم كالسرف في العطاء وقد كثر استعمال الفضل عرفاً في المحمود والفضول في المذموم والغالب استعماله في زيادة أحد أمرين على الآخر بعد اشتراكهما في أصل ما وقعت به المفاضلة إذا كانت تلك الزيادة فيما هو صفة كمال لذلك الشيء فقد تحصل الزيادة في الجسم وهي نقصان في المعنى ثم الفضيلة تارة تكون باعتبار ذاتي وتارة تكون باعتبار عرضي فالذي بالاعتبار الذاتي كتفضيل أحد الجنسين على الآخر في آية ‏{‏الرجال قوامون على النساء‏}‏ والذي بالاعتبار العرضي فيما يمكن اكتسابه وقد يطلق الفضل على كل عطية لا تلزم المعطي‏.‏

- ‏(‏حم طب عن معاذ بن أنس‏)‏ قال العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وتبعه المنذري فقال فيه زبان بن فايد ضعيف وأقول فيه أيضاً ابن لهيعة وحاله معروف وسهل بن معاذ أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين‏.‏

1288 - ‏(‏أفضل القرآن الحمد للّه ربّ العالمين‏)‏ أي أعظم القرآن أجراً وأكثره مضاعفة للثواب قراءة سورة الحمد للّه ربّ العالمين وهي الفاتحة بمعنى أن اللّه سبحانه جعل قراءتها في الثواب كقراءة أضعافها من سورة أخرى قال التوربشتي‏:‏ وإنما كانت أفضل اعتباراً لعظم قدرها وتعريفاً بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها ولاشتمالها على معان وفوائد كثيرة مع وجازة ألفاظها ولذلك سميت أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء عليه والتعبد بالأمر وانهي والوعد والوعيد وغير ذلك وهذا ينبئك بتأويل ما عليه حجة الإسلام ومن على قدمه من أن بعض القرآن أفضل من بعض وردوا على من ذهب إلى المنع ولا حجة له عند التأمل في قوله التفضيل يوهم نقص المفضل عليه قال الغزالي‏:‏ وإنما قال في الفاتحة أفضل وفي آية الكرسي سيدة لأن الجامع بين فنون الفضل وأنواعه يسمى أفضل إذ الفضل الزيادة والأفضل هو الأزيد والسؤدد رسوخ في معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى المتنوعة التي يتبعها سلئر المعارف فاسم السيادة بها أليق‏.‏

- ‏(‏ك هب عن أنس‏)‏ ابن مالك‏.‏

1289 - ‏(‏أفضل القرآن سورة البقرة‏)‏ أي السورة التي ذكرت فيها البقرة ولا يناقضه ما قبله أن الفاتحة أفضل لأن المراد ‏[‏ص 47‏]‏ أن البقرة أفضل السور التي فصلت فيها الأحكام‏.‏ ضربت فيها الأمثال وأقيمت فيها الحجج لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه من ذلك ‏(‏أو أعظم آية منها آية الكرسي‏)‏ لاحتوائها على أمهات المسائل ودلالتها على أنه سبحانه واحد متصف بالحياة قائم بنفسه، مقوم لغيره، منزه عن التحيز والحلول، مبرأ عن التغير والفتور، لا يناسب الأشباح، ولا يعتريه ما يعتري الأرواح، مالك الملك والملكوت، ذو العظمة والجبروت، مبدع الأصول والفروع، ذا البطش الشديد، الذي لا يشفع عنده إلا لمن أذن له العالم بالأشياء كلها، واسع الملك والقدرة، متعال عن أن يدركه وهم، عظيم لا يحيط به فهم‏.‏ والإخلاص أفضل لأن السورة لوقوع التحدي بها أفضل من الآية ولأن الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفاً وآية الكرسي اقتضته في خمسين ‏(‏إن الشيطان‏)‏ إبليس أو أعم ‏(‏ليخرج من البيت‏)‏ يعني المكان بيتاً كان أو غيره من أجل ‏(‏أن يسمع تقرأ فيه سورة البقرة‏)‏ يعني بيأس من إغواء أهله لما يرى من جدهم واجتهادهم في الدين، وخص سورة البقرة لكثرة أحكامها وأسماء اللّه فيها أو لسر علمه الشارع، والسورة الطائفة من القرآن وأقلها ثلاث، وواوها أصلية من سور البلد لإحاطتها بطائفة من القرآن مفرزة على حيالها أو محتوية على فنون رائعة من العلوم احتواء سور المدينة على ما فيها‏.‏

- ‏(‏الحارث‏)‏ ابن أبي أسامة ‏(‏وابن الضريس‏)‏ بمعجمة فمهملتين مصغراً ‏(‏ومحمد ابن نصر‏)‏ المروزي بفتح الميم في كتاب الصلاة ‏(‏عن الحسن‏)‏ البصري مرسلاً‏.‏

1290 - ‏(‏أفضل الكسب بيع مبرور‏)‏ أي لا غش فيه ولا خيانة أو معناه مقبول في الشرع بأن لا يكون فاسداً أو مقبول عند اللّه بأن يكون مثاباً عليه ‏(‏عمل الرجل بيده‏)‏ من نحو صناعة أو زراعة وقيد العمل باليد لكون أكثر مزاولته بها وخص الرجل لأنه المحترف غالباً لا لإخراج غيره وظاهر الحديث تساويهما في الأفضلية قال بعضهم وقد قيل له لا تتبع التكسب فيدنيك من الدنيا فقال لئن أدناني من الدنيا فقد صانني عنها‏.‏

- ‏(‏حم طب‏)‏ من حديث جميع بن عمير ‏(‏عن‏)‏ خاله ‏(‏أبي بردة بن نيار‏)‏ ككتاب - الأنصاري قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أفضل الكسب فذكره وجميع هو ابن عمير التيمي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء صدوق رموه بالكذب وفي الكاشف شيعي واه وقال البخاري فيه نظر فقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الكبير باختصار وقال عن خاله أبي بردة والبزار كأحمد لكنه قال عن جميع بن عمير وجميع وثقه أبو حاتم وقال البخاري فيه نظر ورواه الطبراني في الكبير والأوسط باللفظ المزبور عن ابن عمرو وقال أعني الهيثمي ورجاله ثقات‏.‏

1291- ‏(‏أفضل‏)‏ وفي رواية أحب ‏(‏الكلام‏)‏ بعد القرآن كما في الهدي زاد في الرواية أربع أي أربع كلمات وهي ‏(‏سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر‏)‏ إذ هي أفضل الكلام الآدميين ذكره النووي وقال القاضي المراد كلام البشر لأن الثلاث الأول وإن وجدت قي القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه ولا يفضل ما ليس فيه على ما فيه ولأنه روى في خبر أفضل الذكر بعد كتاب اللّه تعالى سبحان اللّه إلى آخره وقدم أبو حنيفة المقدم وفضل مالك الثاني ومر أنه المختار عند أصحابنا والموجب لفضلها اشتمالها على جملة أنواع الذكر من تنزيه وتحميد وتوحيد وتمجيد ودلالتها على جميع المطالب الإلهية إجمالاً وقيل ما يعم القبيلين والرابعة وإن لم توجد في القرآن بهذه الصيغة لكن فيه ما يفيد فائدتها وهذا النظم وإن لم يتوقف عليه المقصود في استقلال كل من الجمل الأربعة لكنه حقيق بأن يراعى لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولاً بنعوت الجلال التي تنزه ذاته عما يوجب حاجة ‏[‏في الأصل حرفان غير مطبوعان‏:‏ ‏"‏عما يوجب ‏؟‏‏؟‏جة أو نقصا‏"‏‏.‏

وإن للمناوي عبارة طويلة مشابهة قبل هذا في شرح الحديث 215 - ‏(‏أحب الكلام إلى الله‏)‏ ‏[‏ص 173‏]‏

فصححنا الحرفين هنا من تلك العبارة‏.‏ دار الحديث‏]‏ أو نقصاً ثم بصفات الإكرام وهي الثبوتية التي يستحق بها الحمد وأخرج الحكيم عن معاذ مرفوعاً ألا أخبركم عن وصية نوح لابنه حين حضره الموت‏؟‏ قال‏:‏ إني واهب ‏[‏ص 48‏]‏ لك أربع كلمات هن قيام السماوات والأرض وهن أول كلمات دخولاً على اللّه سبحانه وتعالى خروجاً من عنده فاعمل بهن واستمسك حتى يلقاك وهي أن تقول سبحان اللّه والحمد اللّه ولا إله إلا اللّه واللّه اكبر والذي نفس نوح بيده لو أن السماوات والأرضين وما فيهن وزنّ بها لوزنتهن قال الحكيم فنعم الواهب ونعم الموهوب له ونعمت المواهب فمن قام بها كان من الأولياء فإنها عماد الأعمال فبالتسبيح تطهر الأعمال وبالتقديس والتحميد تحط الأثقال وبالتهليل تقبل الطاعات وبالتكبير ترفع وتنال المثوبات وهذه الكلمات تطرق إلى مالك الملك وتسهل السبيل إليه وتشفع وتزبن وبهن يقرع الباب إذا وعت القلوب معانيها في الصدور وزينتها العقول لأفئدة القلوب وأشرقت أنوارها في الرؤيات من بين أودية الأفكار، وعلى بصائر أسماع هواجس الإخلاص، ثم يعلم من شأنه هنا لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ كل شيء هالك إلا وجهه وقال ابن القيم‏:‏ الثناء أفضل من الدعاء ولهذا عدلت الإخلاص ثلث القرآن لأنها أخلصت لوصف الرحمن والثناء عليه وفلذا كان سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر أفضل الكلام بعد القرآن‏.‏

- ‏(‏حم عن رجل‏)‏ قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث سمرة أيضاً بلفظ أفضل الكلام أربع سبحان اللّه إلى آخر ما هنا بل رواه مسلم في الأسماء والصفات والنسائي في يوم وليلة عن سمرة أيضاً بلفظ أحب الكلام إلى اللّه أربع سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر لا يضرك بأيهنّ بدأت انتهى وقد مر ويجيء أن الحديث إذا كان في الصحيحين أو أحدهما فليس لحديثي عزوه لغيره‏.‏

1292 - ‏(‏أفضل المؤمنين‏)‏ أي المسلمين لأنه الملائم لقوله الآتي أفضل المؤمنين إيماناً ‏(‏إسلاماً من سلم المسلمون‏)‏ والمسلمات المعصومون وكذا من له ذمة أو عهد معتبر ‏(‏من لسانه ويده‏)‏ أي من التعدي بأحدهما أي المسلم الممدوح المفضل على غيره من ضم إلى أداء حقوق اللّه حق المسلمين ولم يذكر الأول لفهمه بالأولى، إذ من أحسن معاملة الناس أحسن معاملة ربه بالأولى فالمراد بمن سلم المسلمون منه من لم يؤذ مسلماً بقول أو فعل وخص اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها نحو البطش والقطع والأخذ والمنع والإعطاء أو لأن الإيذاء باليد واللسان أكثر وقوعاً فاعتبر الغالب قال الزمخشري‏:‏ لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملاً كان يمكن فيه المباشرة باليد وقدم اللسان لأن إيذاءه أكثر وأسهل ولأنه أشد نكاية، قال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لحسان أهج المشركين فإنه أشد عليهم من رشق النبل قال الشاعر‏:‏

جراحات السنان لها التئام * ولا يلتام ما جرح اللسان

قال البيضاوي‏:‏ من لم يراع حكم اللّه في زمام المسلمين والكف عنهم لم يكمل إسلامه ولم تكن له جاذبة نفسانية إلى رعاية الحقوق وملازمة العدل فيما بينه وبين الناس فلعله لا يراعي ما بينه وبين اللّه فيخل بإيمانه، وعلم ما تقرر أنه أراد باليد ما يشمل المعنوية كالاستعلاء وليس من الإيذاء إقامة حد وإجراء تعزير بل هو في الحقيقة إصلاح له وطلب للسلامة لهم ولو في الاستقبال، واعلم أن الإسلام في الشرع يطلق على أمرين أحدهما دون الإيمان وهو الأعمال الظاهرة في قوله تعالى ‏{‏قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا‏}‏ والثاني فوقه وهو أن يكون مع الأعمال اعتقاد بالقلب مع الإخلاص والإحسان والاستسلام للّه فيما قضى وقدر فالمراد بالأفضل هنا المستسلم للقضاء والقدر فكأنه قال من أسلم وجهه للّه رضى بتقديره ولم يتعرض لأحد من المسلمين بإيذاء فهو أفضلهم ‏(‏وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً‏)‏ بالضم، ذكر حسن الخلق مع الإيمان لأن محاسن الأخلاق هي الأوصاف ‏[‏ص 49‏]‏ الباطنة والإيمان تصديق القلب وهو باطن فحصلت المناسبة كما حصلت في ذكر اليد واللسان مع الإسلام ‏(‏وأفضل المهاجرين‏)‏ من الهجر أي الترك وهو بمعنى المهاجر وإن كان لفظ المفاعلة يقتتضي وقوع فعل من اثنين لكن المراد الواحد كالمسافر ويمكن كونه على بابه يتكلف ‏(‏من هجر ما نهى اللّه عنه‏)‏ أي أفضل المهاجرين من جمع إلى هجر وطنه هجر ما حرم اللّه عليه والهجرة ظاهرة وباطنة، فالباطنة ترك متابعة النفس الأمارة والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن ‏(‏وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات اللّه عز وجل‏)‏ فإن مجاهدتها أفضل من جهاد الكفار والمنافقين والفجار لأن الشيء إنما يفضل ويشرف بشرف ثمرته وثمرة مجاهدة النفس الهداية ‏{‏والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا‏}‏ وكفى به فضلاً وقد أمر اللّه بمجاهدة النفس فقال ‏{‏وجاهدوا في اللّه حق جهاده‏}‏ فإذا التقى القلب والنفس للمحاربة هذا بجنود اللّه من العلم والعقل وهذه بجنود الشيطان من الهوى والشهوة والغضب فتشعبت هذه الأنوار فأشرقت واشتعل الهوى والشهوة والغضب فاضطربا وتحاربا فلذلك وقت يباهي الرب بعبده ملائكته والنصرة موضوعة في ملك المشيئة في حجاب القدرة فيعطي نصره مشيئته فيصل إليه في أسرع من لحظة فإذا رأى الهوى النصرة ذل وانهزم فانهزم العدو بجنوده وأقبل القلب بجمعه وجنوده على النفس حتى أسرها وحبسها في سجنه وجمع جنوده وفتح باب الخزائن ورزق جنده من المال وقعد في ملكه ‏{‏فأولئك يبدل اللّه سيئاتهم حسنات‏}

- ‏(‏طب عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص وإسناده حسن ذكره الهيثمي وعمرو يكتب بالواو في الرفع والجر تمييزاً بينه وبين عمر ولم يعكس لخفة عمرو بثلاثة أشياء فتح أوله وسكون ثانيه وصرفه وأما في النصب فالتمييز بالألف‏.‏

1293 - ‏(‏أفضل المؤمنين‏)‏ أي أكثرهم ثواباً أو أرفعهم درجة يعني من أفضلهم في ذلك ‏(‏أحسنهم خلقاً‏)‏ بالضم لأن اللّه يحب الخلق الحسن كما ورد في السنن فمن عدم حسنه أو كماله أمر بالمجاهدة والرياضة ليصير محموداً أو كمال الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل إذ هو يقتبس الفضائل ويجتنب الرذائل والعقل لسان الروح وترجمان العقل للبصيرة وقد طال النزاع بين القوم هل الخلق غريزي أو مكتسب والأصح أنه متبعض‏.‏

قال الإمام الرازي من العلماء من قال إنما يجب القول الحسن والخلق الحسن مع المؤمنين أما مع الكفار والفساق فلا لأنه يجب لعنهم وذمهم والمحاربة معهم ولقوله تعالى ‏{‏لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم‏}‏ ومنهم من ذهب إلى العموم وهو الأقوى لأن موسى وهارون مع جلالة منصبهما أمرا بالرفق واللين وتجنب الغلظة‏.‏

- ‏(‏ه ك عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

1294 - ‏(‏أفضل المؤمنين إيماناً‏)‏ عام مخصوص أي من أفضلهم لأن العلماء الذين حملوا الناس على الشرائع والسنن وذبوا عن الدين أفضل إيماناً من هذا ومن المجاهدين ونحوهم ممن مر ويجيء وكذا يقال فيما قبله وبعده ‏(‏الذي إذا سأل‏)‏ بالبناء للفاعل ‏(‏أعطى‏)‏ بالبناء للمفعول أي أعطاه الناس ما طلبه بيسر وسهولة محبة له واعتقاداً فيه هذا هو المتبادر وأما ما في نسخ من بناء سئل للمفعول وأعطى للفاعل فلا يلائم ما بعده لأن المحدث بالأفضلية واحد وعلى النسخ الثانية يصير اثنين ‏(‏وإذا لم يعط‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏استغنى‏)‏ باللّه تعالى ولا يلح في السؤال ولا يبرم في المقال ولا يذل نفسه بإظهار الفاقة ويدنس عرضه بالتخلق بأخلاق المسكنة‏.‏

- ‏(‏خط عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص وكلام المصنف يؤذن بأن هذا لم يتعرض أحد من الستة لتخريجه وإلا لما أبدى النجعة عازياً للخطيب وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه في الزهد من حديث ابن عمرو هذا بلفظ أفضل المؤمنين المقل الذي إذا سأل أعطي وإذا لم يعط استغنى‏.‏

1295 - ‏(‏أفضل المؤمنين رجل‏)‏ مؤمن ‏(‏سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء سمح الاقتضاء‏)‏ أي سهل إذا باع أحداً شيئاً ‏[‏ص 50‏]‏ سهل إذا اشترى من غيره شيئاً وسهل إذا قضى ما عليه سهل في مطالبته غيره بماله عليه ولا يمطل غريمه مع قدرته على الوفاء ولا يضيق على المقل ولا يلجئه لبيع متاعه بدون ثمن المثل ونحو ذلك والترغيب في المساهلة في التبايع قد يعارض خبر الديلمي ماكس عن درهمك وهذا صحيح وذاك منكر‏.‏

- ‏(‏طس عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الهيثمي رجاله ثقات‏.‏

1296 - ‏(‏أفضل الناس مؤمن يجاهد في سبيل اللّه‏)‏ قال ابن حجر أراد بالمؤمن هنا من قام بما تعين عليه ثم حصل هذه الفضيلة لا أن المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الفروض العينية ‏(‏بنفسه وماله‏)‏ لما فيه من بذلهما للّه مع النفع المتعدي قالوا ثم من يا رسول اللّه‏؟‏ قال ‏(‏ثم‏)‏ يلي المجاهد في الفضل ‏(‏مؤمن‏)‏ منقطع للتعبد ‏(‏في شعب من الشعاب‏)‏ بالكسر فرجة بين جبلين وليس بقيد بل مثال إذ الغالب على الشعاب الخلو من الناس فلذلك مثل به للعزلة والإنفراد ‏(‏يتقي اللّه‏)‏ أي يخافه فيما أمر ونهى ‏(‏ويدع‏)‏ أي يترك ‏(‏الناس من شره‏)‏ فلا يشاورهم ولا يخاصمهم بل ينفرد بمحل بعيد عنهم لأن من خالط الأنام قلما يسلم من ارتكاب الآثام وهذا صريح في تفضيل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو وغير ذلك وأما اعتزال الناس بالكلية فجعله الجمهور ومنهم النووي محله في زمن الفتنة أو فيمن لا يصبر على أذى الناس‏.‏

- ‏(‏حم ق ت ن ه عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال قيل يا رسول اللّه أي الناس أفضل‏؟‏ فذكره‏.‏

1297 - ‏(‏أفضل الناس مؤمن مزهد‏)‏ بضم الميم وسكون الزاي وفتح الهاء قليل المال لأن ما عنده يزهد فيه لقلته‏.‏

فلم يطلبوا أسرها للغنى * ولم يسلموها لازدهادها

أفاده الزمخشري فعلى هذا هو اسم مفعول أي مزهود فيه لقلة ماله فهو لفقره ورثائته لا يؤبه به ولا يلتفت إليه لكن نقل بعضهم عن المشارق أنه اسم فاعل من أزهد في الدنيا إذا تخلى عنها للتعبد وزهد المؤمن في الدنيا يبلغه أقصى المراتب في العقبى ومن ثم لما سئل عيسى عليه السلام عن رجلين مرا بكنز فتخاطاه أحدهما ولم يلتفت إليه وأخذه الآخر أيهما أفضل قال الذي تركه‏.‏

- ‏(‏فر عن أبي هريرة‏)‏ وفيه علي بن عبد العزيز فإن كان البغوي فثقة لكنه كان يطلب على التحديث أو الكاتب فقال الخطيب لم يكن في دبنه بذاك‏.‏

1298 - ‏(‏أفضل الناس رجل‏)‏ ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان أي إنسان ‏(‏يعطي جهده‏)‏ بالضم أي وسعه بحسب ما يقدر عليه ومقصود الحديث أن صدقة المقل أفضل أي أكثر أجراً من صدقة كثير المال ببعض ماله الذي لا يظهر أثر نقصانه عليه وإن كثر والأعمال عند اللّه تتفاضل بتفاضل ما في القلوب لا بكثرتها وصورتها بل بقوة الداعي وصدق الفاعل وإخلاصه وإيثاراً للّه على نفسه فأين صدقة من آثر اللّه على نفسه برغيف هو قوته من صدقة من أخرج مئة ألف من ماله غيضاً من فيض‏؟‏ فرغيف هذا ودرهمه في الميزان أفضل من مئة ألف من ذاك‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

‏[‏ص 51‏]‏ 1299 - ‏(‏أفضل الناس مؤمن بين كريمين‏)‏ أي بين أبوين مؤمنين سخيين فيكون قد اجتمع له الإيمان والكرم وفيه وفي أبويه فلحيازته شرف الإيمان والكرم وفي أبويه من جهة نفسه ومن جهة أبويه صار أفضل أو بين أب مؤمن هو أصله وابن مؤمن هو فرعه فهو بين مؤمنين هما طرفاه وهو مؤمن أو بين فرسين يغزو عليهما أو بين بعيرين يستقي عليهما ويعتزل الناس‏؟‏ أقوال وأصل الكرم من كرم نفسه أي نزهها وباعدها عن الدنس بشيء من مخالفة ربه‏.‏

- ‏(‏طب عن كعب بن مالك‏)‏ قال سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم أي الناس أفضل فذكره قال الهيثمي وفيه معاوية بن يحيى أحاديثه مناكير وأخرجه العسكري في الأمثال عن أبي ذر بأبسط من هذا ولفظه يوشك أن يكون أسعد الناس في الدنيا لكع بن لكع أي عبد بن عبد وأفضل الناس مؤمن بين كريمين‏.‏

1300 - ‏(‏أفضل أمتي‏)‏ أي من أفضلهم ‏(‏الذين يعملون بالرخص‏)‏ جمع رخصة وهي التسهيل في الأمر كالقصر والجمع في السفر ومسح الخف فالعمل بالرخص مطلوب لكن بشرط أن لا يتتبعها من المذاهب بحيث تنحل ربقة التكليف من عنقه وإلا أثم بل قيل فسق كما مر فالمراد بها هنا من يعمل بها أحياناً تارة وتارة فلا تعارض بين هذا وبين الحديث الآتي إن اللّه يحب أن يؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه‏.‏

- ‏(‏ابن لال‏)‏ أبو بكر في مكارم الأخلاق وكذا الديلمي ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه عبد الملك بن عبد ربه قال في الميزان منكر الحديث‏.‏

1301 - ‏(‏أفضل أيام الدنيا‏)‏ خرج به أيام الآخرة فأفضلها يوم المزيد يوم يتجلي اللّه لأهل الجنة فيرونه ‏(‏أيام العشر‏)‏ أي عشر ذي الحجة لإجتماع أمّهات العبادة فيه وهي الأيام التي أقسم اللّه بها في التنزيل بقوله ‏{‏والفجر وليال عشر‏}‏ ولهذا سنّ الإكثار من التهليل والتكبير والتجميد فيه ونسبتها إلى الأيام كنسبة مواضع النسك إلى سائر البقاع ولهذا ذهب جمع إلى أنه أفضل من العشر الأخير من رمضان لكن خالف آخرون تمسكاً بأنّ اختيار الفرض لهذا والنفل لذلك يدل على أفضليته عليه وثمرة الخلاف تظهر فيما لو علق نحو طلاق أو نذر بأفضل الأعشار أو الأيام‏.‏ وقال ابن القيم‏:‏ الصواب أن ليالي العشر الآخر من رمضان أفضل من ليالي عشر الحجة وأيام عشر الحجة أفضل من أيام عشر رمضان لأن عشر الحجة إنما فضل ليومي النحر وعرفة وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر، وفيه فضل بعض الأزمنة على بعض‏.‏

- ‏(‏البزار عن جابر‏)‏ قال الهيثمي في موضع إسناده حسن وفي آخر رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته قيل ولا مثلهن في سبيل اللّه قال ولا مثلهن في سبيل اللّه إلا رجل عفر وجهه بالتراب‏.‏

1302 - ‏(‏أفضل سور القرآن‏)‏ سورة ‏(‏البقرة وأفضل آيّ القرآن آية الكرسي‏)‏ لما اجتمع فيها من التقديس والتحميد والصفات الذاتية التي لم تجتمع في آية سواها وحيث كانت بهذه المثابة استحقت الوصف بالأفضلية هنا وبالسيدية في أخبار أخر‏.‏

- ‏(‏البغوي‏)‏ أبو القاسم عبد اللّه وهو غير صاحب التفسير ‏(‏في معجمه‏)‏ أي معجم الصحابة له ‏(‏عن ربيعة‏)‏ ابن عمرو وقيل ابن الحارث الدمشقي وهو ربيعة بن القار ‏(‏الجرشي‏)‏ بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة قال الذهبي مختلف في صحبته وهو جد هشام بن القار وكان يفتي الناس زمن معاوية وقتل بمرج راهط وكان فقيهاً وثقه الدارقطني وغيره‏.‏

‏[‏ص 52‏]‏ 1303 - ‏(‏أفضل‏)‏ أي أطيب ‏(‏طعام الدنيا والآخرة اللحم‏)‏ لأنه يقوي البدن ويزيده نضارة ويكثر الدم ويسخنه وأول شيء يأكله أهل الجنة إذا دخلوها زيادة كبد الحوت وأخذ بهذا بعضهم ففضله على اللبن وعكس آخرون وفيه رد على بعض الفرق الزائغة حيث حظر أكل اللحم كأبي العلاء المعري وكبعض الحكماء حيث قال يا أبناء الحكمة لا تجعلوا بطونكم قبوراً للحيوان وكقول بعضهم تعذيب الحيوان ظلم ولا أفعله واللحم هو ما لحم بين أخفى ما في الحيوان من وسط عظمه وما انتهى إلى ظاهره من سطح جلده وغلب استعماله عرفاً على رطبه الأحمر وهو هنا على أصل لغة لجميع اللحم الأحمر والشحم والأعصاب إلى الجلد وما اشتمل عليه بين الطرفين من أجزاء الرطوبات المأكولة ذكره الحراني‏.‏

- ‏(‏عق حل عن ربيعة بن كعب‏)‏ بن مالك أبي فراس الأسلمي حجازي قال السخاوي أخرجه أبو نعيم من طريق عمرو بن بكر السكسكي وهو ضعيف جداً قال العقيلي ولا يعرف هذا الحديث إلا به وهو غير محفوظ ولا يصح فيه شيء‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ عمرو يروي عن الثقات الطامات وأدخله ابن الجوزي في الموضوع وتعقبه المؤلف بما حاصله أن له شواهداً وقد مر ويأتي أن الشاهد إنما يفيد في الضعيف لا الموضوع‏.‏

1304 - ‏(‏أفضل عبادة أمتي‏)‏ أي من أفضلها ‏(‏تلاوة القرآن‏)‏ لأن لقارئه بكل حرف مئة عشر حسنات وبذلك يسمو على سائر العبادات قال الزركشي وهذا أي ما ذكر من كون الحرف منه بعشر حسنات من خصائصه على سائر الكتب المنزلة وظاهر الحديث أنه أفضل العبادات وإن كانت قراءته بغير فهم وأيد بأن أحمد بن حنبل رأى ربه في النوم فقال يا ربّ ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك‏؟‏ قال بكلامي يا أحمد قال بفهم أو بغير فهم‏؟‏ قال بفهم وبغير فهم لكن ردّه بعضهم بأن المراد بتلاوته بغير فهم تلاوة العارفين فإن معاني القرآن تنزل عليهم حال التلاوة بغير فهم ولا فكر فيكون عين تلاوته عين تلك المعاني وإلا فشرط من يتقرب إلى اللّه بشيء فهم معناه ولو كان المراد بعدم الفهم ما يتبادر للذهن لصحّ أن يتقرب إلى اللّه بالجهل ولا قائل به‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ وكذا أبو نعيم في فضائل القرآن ‏(‏عن النعمان بن بشير‏)‏ ورواه عنه أيضاً الحاكم في التاريخ ومن طريقه وعنه أورده البيهقي فلو عزاه له لكان أولى ثم إن المصنف رمز لضعفه وهو فيه تابع للحافظ العراقي حيث قال سندهما ضعيف انتهى وسببه أن فيه العباس بن الفضيل الموصلي أورده الذهبي في الضعفاء قال قال ابن معين ومسكين بن بكير قال الذهبي قال الحاكم له مناكير كثيرة وعباد بن كثير فإن كان الثقفي فقال الذهبي قال البخاري تركوه أو الرملي فقال ضعفوه ومنهم من تركه‏.‏

1305 - ‏(‏أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن نظراً‏)‏ أي في نحو مصحف أي فهي أفضل من قراءة عن ظهر قلب لأنها ذكر اللّه بالباطن تفكراً وبالظاهر تلاوة لكلامه الأزلي وبقراءته قوام جميع عباداته ومفترضاته وكأنه بتلاوته يخاطب ربه بأمره ونهيه ومواعظه وجميع العبادات تراد لإقامة ذكر اللّه وهو لبها قال بعض الصوفية كنت أكثر القراءة ثم اشتغلت بكتابة الأحاديث والعلم فقلت تلاوتي فنمت ليلة فرأيت قائلاً يقول إن كنت تزعم حبي، فلم جفوت كتابي‏؟‏ أما تدبرت ما فيه، من لذيذ خطابي‏؟‏ فانتبهت فزعاً وعدت إليه‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن عبادة‏)‏ بن الصامت‏.‏

1306 - ‏(‏أفضل كسب الرجل ولده‏)‏ أي الذي ينسب إليه ولو بواسطة ‏(‏وكل بيع مبرور‏)‏ أي سالم من نحو غش وخيانة‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ من حديث وائل بن داود عن جميع بن عمير عن عمير وقال سعيد بن عمير ‏(‏عن‏)‏ خاله ‏(‏أبي برزة بن نيار‏)‏ ‏[‏ص 53‏]‏ الأنصاري الصحابي وجميع بن عمير هو التميمي الكوفي قال الذهبي في الضعفاء رموه بالكذب انتهى وقال الهيثمي فيه جميع بن عمير ضعفه ابن عدي‏.‏

1307 - ‏(‏أفضل نساء أهل الجنة‏)‏ ‏.‏

ذكره الإيذان بأن هؤلاء الأربعة أفضل حتى من الحور العين ولو قال النساء لتوهم أن المراد نساء الدنيا فقط ‏(‏خديجة بنت خويلد‏)‏ تصغير خالد ‏(‏وفاطمة بنت محمد صلى اللّه عليه وسلم‏)‏ قال الشارح العلقمي هي وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحب لما فيهما من البضعة الشريفة أي وإن كان الخلفاء الأربعة أفضل من حيث جموع العلوم وكثرة المعارف ونصرة الدين ‏(‏ومريم بنت عمران‏)‏ الصديقة بنص القرآن ‏(‏وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون‏)‏ والثانية والثالثة أفضل من الأولى والرابعة والأولى أفضل من الأخيرة وفي الثانية والثالثة خلاف مشهور فرجح البعض تفضيل فاطمة لما فيها من البضعة الشريفة وبعضهم مريم لما قيل بنبوتها ولأنه تعالى ذكرها مع الأنبياء في القرآن قال القرطبي ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة عليها ويؤيده أنها صديقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي من اللّه بالتكليف والأخبار والبشارة وغيرها كما بلغت جميع الأنبياء قال فهي نبية خلافاً لبعضهم وحينئذ فهي أفضل من فاطمة لأن النبي أفضل من الولي قال ابن حجر في الفتح هذا نص صريح في تفضيل خديجة على عائشة لا يحتمل التأويل‏.‏

سئل السبكي هل قال أحد إن أحداً من نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة فقال قال به من لا يعتد بقوله وهو ابن حزم فضل نساءه على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة قال وهو قول ساقط مردود قال ونساؤه بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل‏.‏

- ‏(‏حم طب‏)‏ عن ابن عباس قال خط رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الأرض أربع خطوط فقال أتدرون ما هذا قالوا اللّه ورسوله أعلم، فقال أفضل إلخ‏.‏ قال الهيثمي‏:‏ رجالهما رجال الصحيح ‏(‏ك‏)‏ في أخبار الأنبياء ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أنّ هذا الحديث مما لم يخرج في أحد دواوين الإسلام وإلا لما عدل عن عزوه لغيره والأمر بخلافه فقد خرجه النسائي قال ابن حجر في الفتح بإسناد صحيح بلفظ أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية‏.‏

1308 - ‏(‏أفضلكم الذين إذا رؤا‏)‏ أي بالبصر أو البصيرة ‏(‏ذكر اللّه تعالى لرؤيتهم‏)‏ أي عندها يعني أنهم في الاختصاص باللّه بحيث إذا رؤا خطر اللّه تعالى ببال من رآهم لما فيهم من سيما العبادة وظهور المراقبة والفقر على شمائلهم أو أن من رآهم يذكر اللّه كما في خير سيجيء النظر إليَّ عبادة‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن أنس‏)‏

1309 - ‏(‏أفطر الحاجم والمحجوم‏)‏ الصائمان أي تعرّضا للفطر إذ الحاجم عند المص لا يأمن وصول شيء من الدم جوفه والمحجوم يضعف قواه بخروج الدم فيؤول الحال لإفطاره‏.‏ قال القاضي البيضاوي‏:‏ ذهب إلى ظاهر الخبر جمع فقالوا بفطرهما منهم أحمد وذهب الأكثر للكراهة وصحة الصوم وحملوا الخبر على التشديد وذهب قوم إلى أنه منسوخ‏.‏

- ‏(‏حم د ن ه حب ك‏)‏ وكذا البيهقي كلهم في الصوم ‏(‏عن ثوبان‏)‏ وصححه ابن راهويه وابن المديني ‏(‏و‏)‏ قال المصنف ‏(‏هو متواتر‏)‏ قال الذهبي كابن الجوزي رواه بضعة عشر صحابياً وأكثرها ضعاف وأخذ به أحمد وظاهر صنيع المصنف حيث اقتصر على عزوه لمن ذكر أنه مما لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه مع أنه هو نفسه عزاه في الدرر إلى البخاري عن الحسن عن غير واحد ‏[‏ص 54‏]‏ من الصحابة هذه عبارته فيه وهي غير جيدة فإن البخاري إنما ذكره تعليقاً‏.‏

1310 - ‏(‏أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم‏)‏ أي وشرب شرابكم ‏(‏الأبرار‏)‏ صائمين ومفطرين فمفاد هذه الجملة أعم مما قبلها ‏(‏وصلت عليكم الملائكة‏)‏ أي استغفرت لكم وهذا قاله لسعد بن معاذ لما أفطر عنده في رمضان وقيل بل إنه سعد بن عبادة ولا مانع من التعدد وأراد بالملائكة الموكلين بذلك بخصوصه إن ثبت وإلا فالحفظة أو المعقبات أو رافعي الأفعال أو الكل أو بعض غير ذلك وفيه أنه يندب بمن أفطر عنده صائم أن يدعو له بذلك بناء على أن الجملة دعائية وهو أقرب من جعلها خبرية وذلك مكافأة له على ضيافته إياه‏.‏

- ‏(‏ه حب‏)‏ عن أمير المؤمنين عبد اللّه ‏(‏ابن الزبير‏)‏ ابن العوّام قال أفطر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند سعد فذكره‏.‏

1311 - ‏(‏أف‏)‏ قال الزمخشري‏:‏ صوت إذا صوّت به أعلم أن صاحبه متضجر كأنه أضجره ما رأى فيه من كشف العورات وتنجس المياه والقذارة فتأفف به وقال الراغب‏:‏ أصل الأف كل مستقذر من نحو وسخ وقلامة ظفر ويقال لكل مستخف به استقذاراً له وقال ابن حجر‏:‏ أف بشد الفاء وضم أوله يستعمل جواباً عما يستقذر وفيه عشر لغات بل في الارتشاف فيها أربعون ‏(‏للحمام‏)‏ أي لدخوله كيف لا وهو ‏(‏حجاب لا يستر‏)‏ داخله ‏(‏و‏)‏ ماؤه ‏(‏ماء لا يطهر‏)‏ بضم أوله وفتح الطاء وشد الهاء وكسرها لكونه مستعملاً غالباً إذ غالب من يدخله لا يعرف الاغتراف وحمله على المعنى اللغوي غير جيد ‏(‏لا يحل لرجل أن يدخله‏)‏ عند الحاجة إلى دخوله ‏(‏إلا‏)‏ مستتراً ‏(‏بمنديل‏)‏ يستر جميع عورته عمن يحرم عليه النظر إليها ‏(‏مر‏)‏ بصيغة الأمر ‏(‏المسلمين لا يفتنون نساؤهم‏)‏ أي يفعلوا ما يؤدي إلى الافتتان بنسائهم وذلك بتمكينهنّ من الدخول إلى الحمام ونظر بعضهن إلى عورة بعض وربما وصف بعضهنّ بعضاً للأجانب فتقع المراسلة فيقع الزنا ‏(‏الرجال قوّامون‏)‏ أي أهل قيام ‏(‏على النساء‏)‏ قيام الولاة على الرعايا فيؤدبوهنّ ويأخذون على أيديهنّ فيما يجب عليهنّ وفي أنفسهنّ فحق عليهم أن يمنعوهنّ مما فيه فتنة منهن أو عليهن ‏(‏علموهنّ‏)‏ الأحكام الشرعية والآداب المرعية التي منها قصرهن في البيوت وعدم دخولهن الحمامات، أفرد الخطاب أولاً لأنه وقع لمعين ثم جمعه إشارة إلى عدم اختصاص الحكم بالمعين ‏(‏ومروهنّ بالتسبيح‏)‏ أي بلزوم قول سبحان اللّه أو بالصلاة لأنها تسمى سبحة ثم هذا سياق ما رأيته في نسخ هذا الكتاب والذي وقفت عليه في نسخ صحيحة من الشعب بعد قوله لا يظهر بنيان المشركين ومرج الكفار ومرج الشيطان ثم قال لا يحل إلخ فسقط من قلم المصنف هذه الجملة الوسطى‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ عن عائشة ثم قال أعني البيهقي عقبة هذا منقطع انتهى بلفظه فاقتصار المصنف على الرمز لضعفه غير كاف ووجه الانقطاع أن عبيد اللّه بن جعفر رواه عن عائشة بلاغاً ثم إن فيه مع الانقطاع ابن لهيعة وغيره‏.‏

1312 - ‏(‏أفلح‏)‏ بصيغة الماضي ‏(‏من رزق‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏لباً‏)‏ بضم اللام وبالباء الموحدة المشددة يعني فاز وظفر من رزقه اللّه عقلاً راجحاً اهتدى به إلى الإسلام وفعل المأمور وتجنب المنهي وكلما كان العقل في العبد أوفر فسلطان الدلالة فيه على الرشد والنهي عن الغي أنفذ وأظهر ولذلك كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم إذا ذكر له عن رجل شدّة اجتهاده وعبادته سأل عن عقله لأنه مناط الفلاح والعقل هو الكاشف عن مقادير العبودية ومحبوب اللّه ومكروهه ‏[‏ص 55‏]‏ والعقل نور خلقه اللّه وقسمه بين عباده على قدر مشيئته فيهم وعلمه بهم وأول ما فات ابن آدم من دينه العقل فإن كان ثابت العقل يكون خاشع القلب للّه متواضعاً بريئاً من الكبر قائماً على قدميه ينظر إلى الليل والنهار يعلم أنهما في هدم عمره لا يركن إلى الدنيا ركون الجاهل لعلمه أنه إذا خلف الدنيا خلف الهموم والأحزان قال بعض العارفين ما قسم اللّه لخلقه أفضل من العقل واليقين قال الراغب‏:‏ والفلاح الظفر وإدراك البغية أربعة أشياء بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل، وقال الزمخشري‏:‏ المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه والمفلج بالجيم مثله انتهى وقال بعضهم ليس شيء أجمع لخصال الخير من خصال الفلاح واللب العقل الخالص من الشوائب سمي به لأنه خالص بما في الإنسان من قواه كاللباب من الشيء وقيل هو ما زكى من العقل وكل لب عقل ولا عكس‏.‏

- ‏(‏تخ طب عن قرة‏)‏ بضم القاف وشد الراء ‏(‏ابن هبيرة‏)‏ ابن عامر القشيري من وجوه الوفود قال أتينا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقلنا إنه كان لنا أرباب نعبدهن فودعناهن فذكره قال الهيثمي فيه راو لم بسم وبقية رجاله ثقات‏.‏

1313 - ‏(‏أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً‏)‏ أي قدر الكفاية بغير زيادة ولا نقص يقال ليتني أنجو منك كفافاً أي رأساً برأس لا أرزاً منك ولا تزرأ مني وحقيقته أكف عنك وتكف عني وقد يبنى على الكسر فيقال دعني كفاف قال‏:‏

فليت حظي من يداك الصافي * والنفع أن تتركني كفاف

ذكره كله الزمخشري ‏(‏وقنع به‏)‏ أي رضى باليسير من ذلك والفلاح الظفر وإدراك البغية مما يطلب به الحياة الدنيوية أو مما يفوز به في الآخرة قال النووي‏:‏ قد يحتج به من يفضل الفقر على الغنى واعترض بأنه ليس فيه ما يقتضي تفضيل صاحب الكفاف وإنما وصفه بالفلاح وهو معلق على القناعة والرضا والمعلق على المجموع لا يوجد بدون وجود ذلك المجموع لكن ينضم لهذا ما يترجح به‏.‏

- ‏(‏طب ك‏)‏ في الأطعمة ‏(‏عن فضالة بن عبيد‏)‏ الأنصاري الأوسي وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي‏.‏

1314 - ‏(‏أفلحت يا قُديمُ‏)‏ بالقاف تصغير مقدام وهو المقدام بن معد يكرب تصغير ترخيم ‏(‏إن مت ولم تكن أميراً‏)‏ أي والحال أنك لست أميراً على قوم فإن خطب الولاية شديد وعاقبتها في الآخرة وخيمة بالنسبة لمن لم يثق بأمانة نفسه وخاف عدم القيام بحقها أما المقسطون فعلى منابر من نور يوم القيامة ‏(‏ولا كاتباً‏)‏ على نحو جزية أو صدقة أو خراج أو إرث أو وقف وهو منزل على نحو ما قبله ‏(‏ولا عريفاً‏)‏ أي قيماً على نحو قبيلة تلي أمرهم وتعرف الأمير حالهم فعيل بمعنى فاعل ويسمى نقيباً وهو دون الرئيس وموضعه ما ذكر فيما قبله‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ من حديث صالح بن يحيى ‏(‏عن المقدام‏)‏ بكسر الميم ‏(‏ابن معد يكرب‏)‏ قال ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم على منكبي ثم قال أفلحت إلى آخره قال البخاري صالح بن يحيى فيه نظر وقال الذهبي قال موسى بن هارون صالح لا يعرف ولا أبوه ولا جده لكن قال المنذري عقب تخريجه الحديث فيه كلام لا يقدح‏.‏

1315 - ‏(‏أفلا استرقيتم له‏)‏ أي طلبتم له رقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة ‏(‏فإن ثلث منايا أمتي من العين‏)‏ أي كثيراً من مناياها يكون من تأثير عين العائن فإن العين حق ولم يرد الثلث حقيقة بل التكثير والمبالغة وهذا نص على حل الرقية ولو بغير أسماء اللّه وكلامه وصفاته لإطلاق الخبر بشرط معرفة معناها وخلوها عما يخالف الشرع وعلى خلافه تحمل أخبار النهي كما مر‏.‏

- ‏(‏الحكيم عن أنس‏)‏

‏[‏ص 56‏]‏ 1316 - ‏(‏إقامة حد من حدود اللّه‏)‏ على من فعل موجبه وثبت عليه ‏(‏خير من مطر أربعين‏)‏ وفي رواية ثلاثين ‏(‏ليلة‏)‏ في بلاد اللّه تعالى لأن في إقامتها زجراً للخلق عن المعاصي وسبباً لفتح أبواب السماوات للمطر وفي العفو عنها والتهاون بها انهماكاً لهم في الإثم وسبباً لأخذهم بالجدب والسنين ولأن إقامتها عدل وخير من المطر أو المطر يحيي الأرض والعدل يحيي أهلها ولأن دوام المطر قد يفسد وإقامتها صلاح محقق، وخوطبوا به لأنهم لا يسترزقون إلا بالمطر ‏{‏وفي السماء رزفكم وما توعدون‏}‏‏.‏

- ‏(‏ه عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه سعيد بن سنان الحمصي ضعفوه وقال البخاري منكر الحديث وساق له في الميزان من مناكيره هذا الخبر وظاهر صنيع المصنف أن ابن ماجه القزويني تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن جرير مرفوعاً بلفظ ثلاثين ورواه ابن حبان بلفظ أربعين‏.‏

1317 - ‏(‏اقبلوا الكرامة‏)‏ هي ما يفعل بالإنسان أو يعطاه على وجه الإكرام ومنه خبر أنه أكرم جرير بن عبد اللّه لما قدم عليه فبسط له رداءه وعممه بيده وقال‏:‏إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ‏(‏وأفضل الكرامة‏)‏ التي يكرم بها أخاه الزائر مثلاً ‏(‏الطيب‏)‏ بأن يعرضه عليه ليتطيب منه أو يهديه له ‏(‏أخفه محملاً وأطيبه رائحة‏)‏ أي هو أخف الأشياء حملاً فلا كلفة في حمله وأطيب الأشياء ريحاً عند الآدميين وعند الملائكة فيتأكد إتحاف الإخوان به وقبول المهدي إليه إياه ومن ثم كره العلماء رده‏.‏

- ‏(‏قط في الأفراد طس عن زينب بنت جحش‏)‏ بفتح الجيم وسكون المهملة وبالمعجمة أم المؤمنين الأسدية وأمها أميمة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، تزوجها المصطفى صلى اللّه عليه وسلم سنة ثلاث أو خمس بعد أن قضى زيداً منها وطراً، وهي أول أزواجه لحوقاً به، ورواه عنه أيضاً أبو نعيم والديلمي‏.‏

1318 - ‏(‏اقتدوا باللذين‏)‏ بفتح الذال‏:‏ أي الخليفتين اللذين يقومان ‏(‏من بعدي‏:‏ أبو بكر وعمر‏)‏ أمره بمطاوعتهما يتضمن الثناء عليهما ليكونهما أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وإيماء لكونهما الخليفتين بعده، وسبب الحث على الإقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضية والطبيعة القابلة للخيور السنية، فكأنهم كانوا قبل الإسلام كأرض طيبة في نفسها، لكنها معطلة عن الحرث بنحو عوسج وشجر عضاة، فلما أزيل ذلك منها بظهور دولة الهدى أنبتت نباتاً حسناً، فلذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الصراط والميزان ‏(‏فإن قلت‏)‏ حيث أمر باتباعهما فكيف تخلف علي رضي اللّه عنه عن البيعة‏؟‏ ‏(‏قلت‏)‏ كان لعذر ثم بايع، وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما وإقامة الجمع والأعياد معهما والثناء عليهما حيين وميتين ‏(‏فإن قلت‏)‏ هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الأصول من أنه لم ينص على خلافه أحد ‏(‏قلت‏)‏ مرادهم لم ينص نصاً صريحاً، وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الإقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك‏.‏

- ‏(‏حم ت‏)‏ في المناقب وحسنه ‏(‏ه‏)‏ من حديث عبد الملك بن عمير عن ربعي ‏(‏عن حذيفة‏)‏ بن اليمان قال ابن حجر‏:‏ اختلف فيه على عبد الملك وأعله أبو حاتم وقال البزار كابن حزم لا يصح لأن عبد اللّه لم يسمعه من ربعي وربعي لم يسمعه من حذيفة، لكن له شاهد‏.‏ اهـ‏.‏ وقد أحسن المصنف حيث عقبه بذكر شاهده فقال‏:‏

1319 - ‏(‏اقتدوا باللذين‏)‏ بفتح الذال ‏(‏من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار‏)‏ بن ياسر‏:‏ أي سيروا بسيرته ‏[‏ص 57‏]‏ واسترشدوا بإرشاده فإنه ما عرض عليه أمران إلا اختار أرشدهما كما ياتي في حديث ‏(‏وتمسكوا بعهد ابن مسعود‏)‏ عبد اللّه أي ما يوصيكم به، قال التوربشتي‏:‏ أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة فإنه أول من شهد بصحتها وأشار إلى استقامتها قائلاً‏:‏ ألا نرضى لدنيانا من رضيه لديننا نبيينا كما يومىء إليه المناسبة بين مطلع الخبر وتمامه‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ وحسنه ‏(‏عن ابن مسعود الروياني عن حذيفة‏)‏ قال بينا نحن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ قال لا أدري ما قدر بقائي فيكم ثم ذكره ‏(‏عد عن أنس‏)‏ ورواه الحاكم عن ابن مسعود باللفظ المذكور، قال الذهبي وسنده واه‏.‏

1320 - ‏(‏اقتربت الساعة‏)‏ أي دنا وقت قيامها، وإذا اقترب وقت ما يكون فيها من حساب وثواب وعقاب وغير ذلك ونحوه ‏{‏واقترب الوعد الحق‏}‏ الساعة واقترابها إقبالها إلينا في كل لحظة بتقريب الآجال ونحن نقرب منها بقطع مسافة الأعمار، وإنما يدرك قربها بتكامل أنوار الإيمان ومن ضعف إيمانه بحب الدنيا قربت منه بصورتها فازداد حرصاً عليها لعماه عن عاقبتها، والساعة في الأصل تقال على جزء قليل من نهار أو ليل ثم استعيرت ليوم القيامة‏:‏ أعني الوقت التي تقوم فيه وهي ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم ولقلته سمي ساعة ‏(‏ولا تزداد منهم‏)‏ يعني من الناس الحريصين على الاستكثار من الدنيا كما يفيده الخبر الآتي ‏(‏إلا قرباً‏)‏ الذي وقفت عليه في أصول صحيحة من معجم الطبراني والحلية إلا بعداً، وكلاهما له وجه صحيح‏.‏ فالمعنى على الوجه الأول أنهم كلما مر بهم زمن وهم متمادون في غفلتهم ازداد قربها منهم، وعلى الثاني أنها كلما اقتربت ودنت كلما تناسوا قربها وعملوا عمل من الساعة أخذت في البعد عنه لما على قلوبهم من الأكنة والأغطية وعلى أبصارهم وبصائرهم من الأغشية بالغفلة مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون عنه لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يفطنون لما يرجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أن الجزاء كائن للمحسن والمسيء، وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا من سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم وما تزيدهم فنون الموعظة التي أحق الحق وأحد الحد إلا لهواً ولعباً وشحاً وحرصاً وتناسياً للساعة كأنها ولت عنهم دباراً وتناءت عنهم فراراً‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن مسعود‏)‏ قال المنذري‏:‏ رواته يحتج بهم في الصحيح وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح‏.‏ اهـ‏.‏ وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه قصور أو تقصير وإنما كان حقه الرمز لصحته‏.‏

1321 - ‏(‏اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً‏)‏ شحاً وإمساكاً لعماهم عن عاقبتها ‏(‏ولا يزدادون من اللّه إلا بعداً‏)‏ أي من رحمته لأن الدنيا مبعدة عن الآخرة لأنه يكرهها ولم ينظر إليها منذ خلقها والبخيل مبغوض إلى اللّه مبعود عنه لا يقال كيف وصف الساعة بالاقتراب وقد عددون هذا القول أكثر من ألف عام لأنا نقول هي مقتربة عند اللّه ‏{‏وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون‏}‏ ولأن كل آت آت، وإن طالت أوقات استقباله وترقبه قريب، ولأن ما بقي من الدنيا أقل مما سلف منها بدليل انبعاث خاتم النبيين الموعود ببعثه آخر الزمان‏.‏ وبالجملة فهذه الأخبار الشافية الكافية مسوقة للبيان أنه لابد من طي البساط ورفع السماط وتبديل الأرض في الطول والعرض وتخريب العامر وتحريك الزاهر وشق الأثواب وطرق الأبواب وسفك الدماء وهتك النساء وشقاق العلماء وخلاف الأمراء أو قيام السيف في الشتاء والصيف وسوء الحال ورفض المال وارتفاع الصبيان ثم الصلبان وسقوط الفرسان وهبوط العربان لنفوذ القضاء والقدر كما جاء في الخبر‏:‏ إذا نزل القضاء عمي البصر‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الرقائق ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ وقال ‏[‏ص 58‏]‏ صحيح وشنع عليه الذهبي بأنه خبر منكر وفيه بشير بن زاذان ضعفه الدارقطني وأبهمه ابن الجوزي‏.‏ فأنى له الصحة‏؟‏‏.‏

1322 - ‏(‏اقتلوا الحية‏)‏ قال في الكشاف اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والكبير والصغير ‏(‏والعقرب وإن كنتم في الصلاة‏)‏ أي وترتب على القتل بطلانها‏.‏ قال الزين العراقي‏:‏ وهذا محمله على الندب أو الإباحة وصرفه عن الوجوب خبر أبي يعلى عن عائشة أنه كان لا يرى بقتلها في الصلاة بأساً، قال الحكيم لأن الحية أظهرت العداوة لنا وكانت وكلت بخدمة آدم في الجنة فخانته وأمكنت عدو اللّه من نفسها حتى صيرته سبباً لدخول الجنة في إغوائه، فلما أهبطوا إلى الأرض تأكدت العداوة منها لآدم وولده والعقرب من لواحقها وأتباعها‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ فيه أمران‏:‏ الأول أنه يوهم أنه لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف، فقد خرجه أبو داود وكذا الحاكم بلفظ‏:‏ اقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم‏.‏ الثاني أنه لم يرمز له بتضعيف ولا غيره فاقتضى سلامته من العلل وليس كما أوهم، فقد جزم خاتمة الحفاظ ابن حجر بضعف سنده في تخريج الهداية‏.‏

1323 - ‏(‏اقتلوا الأسودين‏)‏ سماهما بالأسودين تغليباً كالعمرين‏.‏ قال الجوهري‏:‏ الأسود العظيم من الحيات وفيه سواد وضم العقرب إليها تغليباً كإطلاقه الأسودين على التمر والماء، والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معاً باسم الأشهر، والأمر للندب أو الإباحة لا للوجوب ما لم يتعرض ولم يخفها على نفسه ولا على غيره، ‏(‏وإلا فللوجوب‏)‏ حتى ‏(‏في الصلاة‏)‏ قالوا‏:‏ وما الأسودان‏؟‏ قال ‏(‏الحية والعقرب‏)‏ ويلحق بهما كل ضار كزنبور، وفيه حل العمل القليل في الصلاة وأن ولاء الفعل مرتين في آن لا يفسدها، إذ قتلهما إنما يكون غالباً بضربة أو ضربتين، فإن تتابع وكثر أبطل، كذا قيل، وأنت خبير بأن الحديث لا يفيد ذلك لجواز أن يكون أمر بالقتل في الصلاة وإن أبطلها‏؟‏ وكم له نظير‏؟‏ ثم رأيت بعض المحققين قال الحق فيما يظهر الفساد إذا تتابع وكثر، والأمر بالقتل لا يستلزم بقاء الصحة على نهج ما قالوا في إنقاذ الغريق ونحوه بل أثره في دفع لإثم بمباشرة المفسد في الصلاة بعد أن كان حراماً‏.‏

- ‏(‏د ت‏)‏ وكذا النسائي، وكأنه أغفله ذهولاً ‏(‏حب ك عن أبي هريرة‏)‏ حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود، ولكن قال الحافط ابن حجر إسناده ضعيف وفي مسلم له شواهد‏.‏

1324 - ‏(‏اقتلوا الحيات كلهن‏)‏ أي بسائر أنواعهن في كل حال وزمان ومكان، وظاهره ولو غير مؤذيات‏:‏ أي ولو في حال الإحرام كما يؤذن به كلمة التعميم، لكن نهى في حديث عن قتل ذات البيوت التي لا تضر ‏(‏فمن خاف‏)‏ من قتلهن ‏(‏ثأرهن‏)‏ بمثلثة وهمزة ساكنة ‏(‏فليس منا‏)‏ أي من جملة ديننا أو العاملين بأمرنا، يعني ليس من أهل طريقنا من يهاب الإقدام عليهن ويتوقى قتلهن خوفاً من أن يطلب بثأرهن أو يؤذي من قتلهن كما كان أهل الجاهلية يدينون به‏.‏ ذكره الزمخشري، والمراد الخوف المتوهم‏.‏ أما لو غلب على ظنه حصول ضرر منهن فلا ملام عليه بل يلزمه ترك قتلهن، ووهم شارح وهنا‏.‏